مصر على أعتاب تحول أخضر حاسم

تقف مصر اليوم أمام لحظة محورية في مسار تحولها نحو التكنولوجيا النظيفة. فبعد سنوات من العمل على بناء قاعدة صلبة من الشراكات الاستراتيجية، ومشروعات البنية التحتية الوطنية، والتشاور مع الشركاء المعنيين في المنظومة، تدخل البلاد الآن مرحلة حاسمة ستحدد ما إذا كانت ستصبح رائدة إقليمية في مجال التكنولوجيا المناخية أم ستواجه نمواً مجزأً وفرصاً غير مستغلة. ويؤكد تقرير التكنولوجيا النظيفة والطاقة لعام 2025 على هذه اللحظة، مُبرزاً أن مصر لم تعد مجرد نموذج انتقال طاقي، بل مرشحة قوية للريادة الإقليمية في التكنولوجيا المناخية بحلول عام 2035.
نظام جاهز للتوسع
الأسس الضرورية لتحول ناجح نحو التكنولوجيا النظيفة قد بدأت بالفعل. فقد وقّعت مصر أكثر من 38 مذكرة تفاهم في مجال الهيدروجين الأخضر، ووسعت نطاق توليد الطاقة الشمسية من خلال مشروعات مثل بنبان، وأطلقت برامج طموحة لإعادة استخدام المياه والطاقة من النفايات. كما بدأت الخطط الوطنية في دمج الطاقة النظيفة بالسياسات الصناعية والتنمية العمرانية، مما يعكس انتقالاً من المبادرات المنفصلة إلى التنسيق المنهجي المتكامل. إلى جانب ذلك، بدأت البلاد في تفعيل رأس مالها البشري. ومع توفر البنية التحتية المناسبة، وحشد الكفاءات، وتكامل السياسات، يمكن لهذه المقومات أن تقود مسار الابتكار المناخي وتنويع الاقتصاد على المدى الطويل.
ويؤكد التقرير أن مصر لم تعد على هامش تبني التكنولوجيا النظيفة، بل دخلت بالفعل مرحلة التنفيذ الاستراتيجي، حيث يصبح تسريع الإصلاحات وتوسيع نطاق التقنيات ودعم الشركات الناشئة للوصول إلى الأسواق أموراً أساسية للحفاظ على هذا التقدم.
ورغم أن الطاقة النظيفة تظل في صلب الاستراتيجية البيئية للبلاد، إلا أن الفرصة الأكبر تكمن في بناء اقتصاد أخضر متكامل. ويحدد التقرير فرصاً متزايدة في قطاعات مثل الزراعة الذكية مناخياً، واللوجستيات المستدامة، والمرافق الذكية، وكلها تمتلك مقومات لتوليد صادرات عالية القيمة وتعزيز التعاون الإقليمي.
ومن خلال التوسع في سلاسل القيمة الخضراء بدلاً من الاكتفاء بإنتاج الطاقة، يمكن لمصر أن تتموضع كمُصدّر للتكنولوجيا لا كمُنتِج للطاقة فقط. فعلى سبيل المثال، لا تقتصر استثمارات الهيدروجين الأخضر والطاقة الحيوية على تلبية الطلب المحلي، بل تهدف أيضاً إلى تلبية احتياجات الأسواق الأوروبية والخليجية من الواردات المتوافقة مناخياً. وبالمثل، يمكن تكييف وتصدير مشاريع البنية التحتية النظيفة في المدن الذكية وإعادة استخدام المياه لتخدم أسواقاً أفريقية أوسع، بما يدعم تطلعات مصر في قيادة السوق الأفريقية تحت مظلة اتفاقية التجارة الحرة القارية (ACFTA).
الحاجة المُلِحّة للتنفيذ السريع
ورغم ما تحقق من تقدم، فإن السنوات الخمس القادمة ستكون حاسمة. إذ يجب على مصر الانتقال من مرحلة طموحات السياسات إلى تنفيذ سريع وفعّال. الأدوات متوفرة، من خرائط طريق تعديلات تنظيمية إلى برامج تجريبية، لكن عامل السرعة سيكون الفيصل.
فالعديد من الاقتصادات النظيرة بدأت بالفعل في تنفيذ آليات تسويق مدعومة من الدولة، وبرامج مشتريات حكومية، ومراكز اختبار وطنية. و للحفاظ على قدرتها التنافسية، يتعين على مصر تقليل مخاطر الابتكار عبر تمويل أكثر مرونة، وتوسيع نطاق المشاريع التجريبية بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وضمان توفر بنية تحتية محلية للقياس والاختبار تكون فعالة ومتاحة.
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات