رسم الأسس الهيكلية لمشهد التكنولوجيا النظيفة في مصر

لم يعد التحول الأخضر في مصر مجرد مفهوم نظري، بل أصبح واقعًا من خلال بنية تحتية واسعة النطاق وعالية التأثير. من الطاقة والهيدروجين إلى المياه والنفايات، تضع الدولة الأسس المادية والمؤسسية لمستقبل قائم على التكنولوجيا النظيفة. هذه ليست إنجازات متفرقة، بل أعمدة لبناء اقتصاد مناخي شامل وقابل للتوسع.
الهيدروجين الأخضر: ريادة أفريقية ناشئة
تقود مصر القارة الأفريقية في جاهزية الهيدروجين الأخضر. فقد تم توقيع 38 مذكرة تفاهم حتى الآن، مع قدرة إنتاجية متوقعة تصل إلى 18 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، مما يضع مصر في موقع استراتيجي كمركز إقليمي وعالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر. يتركز الجزء الأكبر من هذا الإنتاج في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مما يمنح مصر ميزة استراتيجية في تزويد أوروبا والخليج وآسيا بالهيدروجين الأخضر. كما تفتح هذه المشاريع الباب أمام التصنيع المحلي مثل إنتاج المحللات الكهربائية وتصنيع الأمونيا الخضراء، وهو ما يعزز مكانة مصر في القطاعات عالية القيمة ضمن سلسلة الهيدروجين.
الطاقة الشمسية: من الإنتاج إلى الوظائف
يقف مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان كواحد من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم. يُولّد 1.46 جيجاوات من الكهرباء النظيفة، ويوفر الطاقة لأكثر من 420,000 منزل، ويساهم في تقليل أكثر من 2 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
لكن تأثير المشروع يتجاوز تقليل الانبعاثات، فهو يُعد نموذجًا حيًا لكيف يمكن للبنية التحتية النظيفة أن تحقق عوائد اقتصادية فعلية. فقد وفر أكثر من 10,000 فرصة عمل، مما دعم سبل العيش وساهم في تحقيق أهداف مصر الوطنية في مجال الطاقة. يُنظر اليوم إلى مشروع بنبان باعتباره نموذجًا يحتذى به لما يمكن أن تكون عليه مشاريع الطاقة المتجددة القابلة للتمويل وقابلة للتوسع في شمال أفريقيا.
الابتكار في المياه: تعزيز المرونة من خلال الاقتصاد الدائري
يُعد شح المياه أحد أكثر التحديات المناخية إلحاحًا في مصر، وفي الوقت نفسه، من أكثر المجالات الواعدة للابتكار. تعيد البلاد استخدام أكثر من 6 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة سنويًا. ومنشآت مثل محطة بحر البقر، أكبر محطة لإعادة استخدام المياه في العالم لأغراض الزراعة، تُحوّل مياه الصرف إلى مورد وطني.
بالتوازي، تكتسب تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية زخمًا متزايدًا في محافظات مثل مرسى مطروح وسيناء، مما يخفف الضغط على مصادر المياه العذبة ويوسع نطاق الوصول إلى المياه في المناطق غير المرتبطة بالشبكة. تمثل هذه الجهود تحولًا مهمًا نحو إدارة دائرية للمياه وبناء مرونة طويلة المدى.
من النفايات إلى الطاقة: اقتصاد دائري في طور التشكّل
يتم الآن إعادة تصور قطاع النفايات في مصر كمحرك للطاقة النظيفة. فقد ساهمت التعريفات الجديدة لشراء الطاقة في جعل تحويل النفايات إلى طاقة خيارًا اقتصاديًا مجديًا، خصوصًا في مجالات مثل الوقود المشتق من النفايات (RDF) والغاز الحيوي (البيوجاز).
تُثبت المحطات التي تعمل بالفعل في الجيزة والمنصورة فاعلية هذا النموذج، في حين تستهدف الاستراتيجية الوطنية استرجاع 80% من النفايات البلدية بحلول عام 2030. تدعم هذه التطورات ليس فقط تقليل الانبعاثات، بل أيضًا إنشاء أسواق جديدة في مجالات لوجستيات النفايات، وإعادة التدوير، وأنظمة الجمع الذكية.
يبدأ الاقتصاد الدائري في التشكّل، وتلعب الشركات الناشئة دورًا محوريًا في هذا التحول.
من البنية التحتية إلى النظام البيئي
يعكس نجاح مصر في إطلاق مشاريع تكنولوجيا نظيفة على نطاق واسع تنسيقًا متزايدًا بين الوزارات والممولين والشركاء الدوليين. ولكن لكي يكتمل التحول ويصل إلى أقصى إمكانياته، يجب أن تواكب الأنظمة الداعمة هذا التقدم، مثل وضوح السياسات التنظيمية، وتعبئة رأس المال، ومسارات الابتكار.
المرحلة القادمة تتطلب تمكين الشركات الناشئة، وتحويل البحث والتطوير إلى أعمال قابلة للنمو، وضمان مواكبة السياسات للتطورات التقنية.
موقع إبداع مصر غير مسؤول عن مضمون التعليقات