أنت هنا

محمد عطية: كيف تنافس مصر في سباق الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة؟

منذ 4 ساعات 42 دقيقة

من المتوقع أن يتجاوز سوق الشركات الناشئة في التكنولوجيا النظيفة العالمية حاجز الـ 100 تريليون دولار بحلول عام 2050، ليصبح بذلك أحد أكثر القطاعات تأثيرًا في الاقتصاد العالمي. الدول التي ستقود مجالات مثل الطاقة الشمسية، الهيدروجين الأخضر، السيارات الكهربائية، وتخزين الطاقة، لن تحقق خفضًا كبيرًا في الانبعاثات الكربونية فحسب، بل ستتبوأ أيضًا موقع الصدارة في اقتصاد المستقبل. تتمتع مصر بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، ومواردها الوفيرة من الطاقة المتجددة، وقاعدة المواهب التقنية المتنامية، بفرصة ذهبية في هذا المجال.

وقد بدأت مصر بالفعل خطوات واعدة نحو هذا المستقبل، حيث تظهر استثماراتها في البنية التحتية، وشراكاتها الإقليمية، وتوسع محفظتها في الطاقة المتجددة التزامًا واضحًا. ومع ذلك، لتحقيق مكانة رائدة في هذا السباق العالمي، يتوجب على مصر بذل جهود إضافية لدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا النظيفة وتطوير سياسات شاملة تعزز الابتكار وتجذب الاستثمارات طويلة الأجل. تواجه مصر، شأنها شأن العديد من الدول التي تسعى للتحول نحو الاقتصادات الخضراء، تحديات مشتركة مثل محدودية التمويل في المراحل المبكرة للشركات الناشئة، ضعف التنسيق في جهود البحث والتطوير، ونقص الإشارات السياسية القوية لجذب المستثمرين على المدى الطويل. ومع ذلك، تمتلك مصر مقومات فريدة تضعها في موقع متميز للاستفادة من هذه الفرص. فموارد الطاقة الشمسية والرياح الوفيرة، إلى جانب موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين إفريقيا وأوروبا وآسيا، يجعلها مركزًا محتملاً للابتكار في التكنولوجيا النظيفة. بالإضافة إلى ذلك، توفر قاعدتها القوية من المواهب التقنية، خاصة في مجالات الهندسة والعلوم، أساسًا متينًا لبناء نظام بيئي مزدهر للشركات الناشئة. تكمن الفرصة الآن في تحويل هذه المزايا إلى نمو اقتصادي مستدام مدفوع بالشركات الناشئة في التكنولوجيا النظيفة.

تحديات وفرص استثمار الشركات الناشئة

في عام 2024، شكلت الشركات الناشئة المرتبطة بالمناخ 17% من إجمالي الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الاستثماري في إفريقيا، مما يعكس أهمية هذا القطاع على الرغم من انخفاض التمويل الإجمالي مقارنة بالعام السابق. تشمل النماذج البارزة في هذا المجال الطاقة الشمسية خارج الشبكة، والتنقل الكهربائي (مثل شركة BasiGo في كينيا)، ونماذج تحويل النفايات إلى طاقة.ومع ذلك، تواجه الشركات الناشئة في قطاع الطاقة تحديات كبيرة في القارة، بما في ذلك تقلبات التمويل، وتراجع الاستثمار العالمي، والاعتماد على نماذج أجهزة ثقيلة تتطلب استثمارات ضخمة ودورات تحقق تكنولوجي طويلة. بالإضافة إلى ذلك، تعيق قلة خبرة بعض المستثمرين بأنظمة الطاقة جذب رأس المال اللازم.في مصر وإفريقيا، تعرقل عقبات مثل صعوبة التكامل مع الشبكة الكهربائية، وتحديات تصاريح المواقع، والوصول إلى الأراضي الحكومية تقدم مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر. كما أن السياسات المتعلقة بـحماية الملكية الفكرية، وأرصدة الكربون، وتسعير الطاقة لا تزال غير متسقة أو غير متطورة، مما يزيد من تعقيد عمل الشركات الناشئة في قطاعات مثل تحويل النفايات إلى طاقة، والهيدروجين الأخضر، وشحن المركبات الكهربائية. تتوقف العديد من الأفكار المبتكرة في التكنولوجيا النظيفة قبل التسويق بسبب نقص مختبرات الاختبار، والمواهب الهندسية لتطوير النماذج الأولية، والإرشاد الصناعي اللازم لدعم رواد الأعمال.

مقارنة مع دول منافسة ومبادرات حكومية

مصر ليست وحدها في مواجهة هذه التحديات. فالاقتصادات المنافسة مثل الهند، المغرب، كينيا، والبرازيل بدأت في بناء أنظمة سياسية تدعم رواد الأعمال، وتقلل من مخاطر الاستثمار، وتجذب الشركاء العالميين، وتطور سلاسل التوريد المحلية. في مصر، بدأت اللجنة الوزارية لريادة الأعمال في عقد جلسات نقاش مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة، مما يعكس التزام الحكومة بدعم هذا القطاع الاستراتيجي وإدراكها لأهميته في تحقيق التنمية المستدامة. ومع ذلك، لتبقى مصر في صدارة المنافسة، يجب عليها تسريع هذه الجهود وتوسيع نطاقها لتشمل سياسات شاملة ومبادرات ملموسة تعزز الابتكار وتيسر وصول الشركات الناشئة إلى الأسواق.تشهد محفظة مصر في الطاقة المتجددة توسعًا ملحوظًا. ويعد مشروع بنبان للطاقة الشمسية إنجازًا بارزًا، حيث أصبح أحد أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم، وعزز مكانة مصر كلاعب رئيسي في هذا القطاع. كما وقّعت الحكومة أكثر من 20 مذكرة تفاهم مع شركاء دوليين لتطوير مشاريع في الهيدروجين الأخضر، الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح. هذه الخطوات واعدة، ولكن لتحويل هذه المشاريع إلى قيمة صناعية دائمة، يجب أن تكون جزءًا من نظام بيئي متكامل يدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا النظيفة، حيث تلعب الشركات الناشئة دورًا محوريًا في تفعيل سلاسل القيمة بقطاعات الطاقة النظيفة.

توجهات التمويل ومعايير الاستثمار

في عام 2024، شهدت إفريقيا انخفاضًا بنسبة 28% في تمويل رأس المال الاستثماري، حيث بلغ الإجمالي 2.6 مليار دولار، وتوجه 17% فقط من هذا التمويل إلى مشاريع المناخ، أي نصف القيمة مقارنة بعام 2023. في عام 2023، ظل الإجمالي مستقرًا عند 471 مليون دولار مقارنة بـ 2022، مما يعكس أحجام صفقات أصغر وتركيزًا على الاستثمارات المبكرة. في عام 2024، انخفضت القيمة إلى ما يقرب من 235-250 مليون دولار، لكن التكنولوجيا النظيفة ظلت من بين القطاعات الثلاثة الأكثر نشاطًا إلى جانب التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. يركز المستثمرون بشكل متزايد على "الجودة على الكمية"، حيث ارتفع متوسط حجم الصفقات بنسبة 32% ليصل إلى 2.5 مليون دولار، مع تركيز متزايد على الاستثمار الموجه نحو التأثير ومعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية.

المشهد التنافسي العالمي ودور مصر

المشهد العالمي للتكنولوجيا النظيفة تنافسي للغاية، حيث تعيد التوترات التجارية تشكيل الوصول إلى الأسواق. توسع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والصين التصنيع المحلي، بينما تؤمن دول مثل ماليزيا والهند مواقعها المستقبلية من خلال سياسات استباقية، وليس فقط الاستثمار.يتعين على مصر تبني نهج استباقي مماثل لتبقى ذات صلة. فعلى سبيل المثال، على الرغم من امتلاك مصر موارد شمسية وفيرة، إلا أن استمرار الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية واضطرابات سلاسل التوريد.تدعم مذكرات التفاهم المتعددة والاهتمام الدولي الكبير طموحات مصر في الهيدروجين الأخضر. ولكن لتحويل هذه الطموحات إلى صادرات مستدامة، يجب على مصر تطوير إطار تنظيمي واضح، وبرامج بحث وتطوير للإلكترولايزر، مع حوافز تدعم خلق القيمة المحلية.

تهدف مصر إلى إنتاج 5 ملايين طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2040، وتتوفر فرص كبيرة للشركات الناشئة للابتكار عبر سلسلة القيمة، من تصنيع الإلكترولايزر وتحسين العمليات والصيانة، إلى تطوير أنظمة هيدروجين مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وبرمجيات المراقبة، وإعادة استخدام المنتجات الثانوية مثل الأكسجين والحرارة. مع توفر مختبرات البحث والتطوير في الجامعات والقطاع الخاص ودعم من مؤسسات التمويل التنموي، يمكن لمصر بناء تجمع تكنولوجي إقليمي للهيدروجين الأخضر.

تعزيز الابتكار المحلي والبنية التحتية

يمكن لنظام الابتكار المصري أن يزدهر من خلال الشركات الناشئة التي تعالج قضايا مثل كفاءة الطاقة في المباني وتجديدها، وتحلية المياه بالطاقة الشمسية وإعادة استخدام المياه، والري الذكي والتكنولوجيا الزراعية المقاومة للتغيرات المناخية، وفرز النفايات، وإعادة التدوير المتقدمة، ولوجستيات التجميع الذكية. عالميًا، هناك نماذج ملهمة لدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا النظيفة:

  • في الهند، يوفر مركز الابتكار الدولي للطاقة النظيفة معدات مخصصة ويمزج بين التمويل العام والخاص مع إتاحة الوصول إلى مرافق شركة كبرى لتوزيع الكهرباء.
  • في سنغافورة، تتبع Ecolabs-COI نهجًا مشابهًا، حيث طورت علاقات مع كيانات تجارية تستضيف اختبارات واقعية لتقنيات الشركات الناشئة.
  • في المملكة المتحدة، تقدم مختبرات "Energy Systems Catapult Living Labs" فرصًا لاختبار الحلول الذكية والفعالة في المنازل السكنية المجهزة للتجارب الميدانية.
  • يمكن للابتكار المحلي في تصميم الإلكترولايزر، تجميع الألواح الشمسية، وبنية التنقل الكهربائي أن يفتح إمكانات تصدير كبيرة ويقلل الاعتماد على الواردات في مصر، خاصة في المشاريع الضخمة. ويعد تطوير بنية تحتية للتنقل الكهربائي، بما في ذلك محطات الشحن وأنظمة إدارة البطاريات، مع إعطاء الأولوية للشركات الناشئة المحلية لتصميم ونشر هذه الحلول، خطوة حاسمة. كما يمكن لإنشاء مراكز تصدير للتكنولوجيا النظيفة بالتعاون مع اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية أن يتيح للشركات الناشئة المصرية الوصول إلى الأسواق الإفريقية والعالمية، مما يعزز التنافسية الاقتصادية.

شراكة قوية وتطوير القدرات

يتطلب نجاح النظام البيئي شراكة قوية بين الحكومة، والقطاع الخاص، والممولين. يلعب القطاع الخاص دورًا حيويًا في الاستثمار في البحث والتطوير، والشراكة مع الجامعات، وحضانة الشركات الناشئة، والتطوير المشترك للبنية التحتية. ويجب تصميم السياسات لتحفيز هذه المشاركة من خلال الحوافز، ونماذج تقاسم المخاطر، وتبسيط التنظيمات. يجب أن تتحول الحكومة إلى شريك رئيسي، ليس فقط كمنظم، بل كعميل مبكر ومبتكر مشارك، حيث أن التكامل بين شركات التكنولوجيا النظيفة وقطاعات أخرى كالتنقل والزراعة والمياه يعزز فرص الابتكار والنمو.

يتعين على مصر مواءمة التعليم وتطوير القوى العاملة مع أهدافها لدعم الشركات الناشئة. يُعد دمج الطاقة النظيفة والأنظمة الرقمية في المناهج الجامعية والفنية أمرًا ضروريًا لتلبية احتياجات السوق. ويمكن لبرامج بناء القدرات والحاضنات داخل الجامعات أن تحول الأفكار الطلابية الواعدة إلى مشاريع تجارية قابلة للحياة. يجب أن تتجاوز الشراكات الدولية التمويل، وتعطي الأولوية لـنقل المعرفة، والتعاون التقني، والبحث والتطوير المشترك، لضمان أن تصبح مصر مساهمًا نشطًا في الابتكار العالمي، وليس مجرد متلقٍ.مسار مصر يشبه مسار العديد من الدول الأخرى: طموح كبير في البنية التحتية، لكن هناك فجوات في استراتيجية دعم الشركات الناشئة. والفرق سيحدثه مدى سرعة وفعالية مصر في ربط هذه النقاط. السنوات الخمس القادمة في إفريقيا ستتحدد بـالمرونة، والتكامل الإقليمي، والصلة بالتحديات العالمية.

إذا نجحت مصر في بناء منظومة شاملة تدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا النظيفة، فستضمن لنفسها دورًا محوريًا في الاقتصاد الأخضر العالمي، وستفتح آفاقًا جديدة للنمو المستدام، وفرص العمل، والسيادة التكنولوجية في إفريقيا والشرق الأوسط.

 

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك