أنت هنا

محرك التكنولوجيا المالية في مصر: كيف يقود الشمول الرقمي زخم الابتكار في البلاد

منذ 23 ساعة 53 دقيقة

في اقتصاد يواجه التقلبات والإصلاحات، يبرز قطاع التكنولوجيا المالية في مصر كقصةٍ عن الصمود وإعادة الابتكار.

على مدى السنوات الأخيرة، أصبح قطاع التكنولوجيا المالية أكثر القطاعات ديناميكيةً وجاذبيةً للاستثمار في مصر، إذ يستحوذ على أكثر من ثلث إجمالي تمويل الشركات الناشئة على المستوى الوطني. ولا يعود ذلك فقط إلى سجله القوي في جذب التمويل، بل لأنه يقع عند تقاطع أولويتين وطنيتين: التحول الرقمي والشمول المالي.

ما بدأ كموجة من الشركات الناشئة في المدفوعات الرقمية تطوّر إلى منظومة متكاملة تربط بين شركات الاتصالات والبنوك والمستثمرين والجهات التنظيمية. وقد جعل هذا التناغم من التكنولوجيا المالية أحد أوضح الأمثلة على كيفية قدرة الابتكار على إحداث تغييرات هيكلية في الاقتصاد المصري.

الشمول على نطاق واسع: من الوصول إلى التمكين

في جوهرها، لا تتعلق التكنولوجيا المالية في مصر بالمحافظ الإلكترونية والمعاملات الرقمية فحسب، بل تتعلق بإعادة صياغة مفهوم الوصول إلى الفرص.
فقد كانت استراتيجية البنك المركزي المصري للشمول المالي وخارطة الطريق الرقمية للمجلس القومي للمدفوعات من العوامل الحاسمة في توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية.

وبحلول عام 2024، بلغ معدل الشمول المالي 74.8%، مدفوعًا بانتشار 56.2 مليون محفظة إلكترونية و7.5 مليون بطاقة مدفوعة مسبقًا و33.5 مليون بطاقة خصم مباشر. وتعكس هذه الأرقام قفزةً كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة، ما يؤكد أن استخدام التكنولوجيا المالية لم يعد مقتصرًا على المدن الكبرى، بل أصبح جزءًا من النسيج المالي اليومي للمجتمع المصري.

تعمل المنصات الآن على بناء منظومات رقمية متكاملة تربط المستهلكين والشركات الصغيرة والمتوسطة ومقدّمي الخدمات، مما يجعل أدوات الدفع والادخار والائتمان جزءًا من الحياة اليومية. ويمثل ذلك نقطة تحول من الابتكار المعاملي إلى تمكين المنظومة، مما يجعل التكنولوجيا المالية محركًا رئيسيًا للنمو الشامل.

منظومة من التعاون

ما يميز مشهد التكنولوجيا المالية في مصر هو التعاون بين القطاعات الذي يقوده.
فشركات الاتصالات والمؤسسات المالية والجهات التنظيمية تعمل جنبًا إلى جنب لرقمنة الاقتصاد  من الرواتب إلى الإقراض، ومن التأمين إلى التجارة الإلكترونية.

ويُجسّد هذا التعاون الشراكات بين شركات الاتصالات والبنوك المرخّصة، والتي وسّعت من انتشار خدمات النقود عبر الهاتف المحمول وسرّعت الانتقال نحو اقتصاد غير نقدي.

كما يعكس نشاط رأس المال الجريء هذا الزخم بثقة متزايدة؛ إذ تجاوزت جولات التمويل 400 مليون دولار بين عامي 2021 و2024، مما يؤكد شهية المستثمرين المستمرة. وتواصل شركات كبرى مثل إم إن تي حالًا، وبيموب، وفوري جذب دعم إقليمي ودولي، مما يجعل التكنولوجيا المالية القطاع الأكثر أداءً في مصر من حيث عدد الصفقات وجاهزية المنظومة (بتقييم 3.4 من 5).

لماذا هذا مهم؟

إن نمو التكنولوجيا المالية في مصر ليس مجرد نجاح منفصل؛ بل هو نموذج لبناء المنظومات الاقتصادية.
فالتقدم في هذا القطاع يبرهن على أن الابتكار حين يتماشى مع أهداف الشمول المالي ويحظى بدعم مؤسسي واضح  يمكن أن يسرّع من وتيرة التحولين الاجتماعي والاقتصادي معًا.

لم تعد التكنولوجيا المالية تدور حول تنافس الشركات الناشئة على الحصص السوقية؛ بل أصبحت تدور حول بناء بنية تحتية رقمية تجعل المشاركة في الاقتصاد المصري أكثر بساطةً وأمانًا وشمولًا.

الخلاصة

تمثل قصة التكنولوجيا المالية في مصر تلاقيًا بين انضباط السياسات وثقة المستثمرين واحتياجات المجتمع.
ومع تجاوز نسبة الشمول المالي 70% من السكان، وتوسّع الخدمات الرقمية، واستقرار القاعدة التنظيمية، يبرهن هذا القطاع على أن الصمود يمكن أن يتحول إلى قابلية للنمو.

ومع تعمق الابتكار وامتداده إلى مختلف القطاعات، تثبت التكنولوجيا المالية أن التقنية حين تُدعَم بالغاية، يمكن أن تصبح محرك النمو الأكثر استدامة في مصر.

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك