أنت هنا

الإبداع والاختراع والابتكار، مناقشة حول المفاهيم الإبداعية

يلتبس على كثير من الناس ويختلط عليهم الخطوط الفاصلة بين الإبداع والاختراع والابتكار وهي خطوط شديدة الوضوح بل هى مساحات لها ألوان واضحة ومختلفة بل ويجهل البعض مصطلحات أخرى مهمة كبراءة المنفعة وحقوق المؤلف وغيرهما .. مما يؤدي إلى كثير من الإختلاط واللبس في المفاهيم.

فالإبداع في اللغة هو إنشاء الشيء على غير مثال سابق .. فأبدع الشيء أي أوجده. وهى كلمة شاملة لكل ما يمكن أن يستحدثة الإنسان في كل المجالات وهو أشمل من الإختراع والإبتكار. لكي نطلق كلمة الإبداع المجردة على شيء ما يشترط أن يكون جديدًا لم يقدمه أحد من قبل وغالبًا لا يقيد بقيود وغير قابل للقياس الكمي، لا يحتاج إلى المال ولا يخضع لمنطق التعامل المالي في الربح والخسارة، لا يُحمى وليس فيه مخاطر. ومثال على ذلك: كل ما يخطر في ذهنك من شيء جديد في أى مجال بغض النظر عن جدواها أو صحتها.

إن إستحداث أى خيال أو منطق أو طريقة داخل عقلك ... يعتبر إبداعاً مجرداً

خروج هذا الإبداع من مساحة العقل والتفكير إلى مساحة أخرى كالكتابة أو والرسم أو التنفيذ ينقله من مساحة الإبداع إلى مساحة الملكية الفكرية وربما يظل باقياً داخل مساحة الإبداع. للمكلية الفكرية مساحات حددتها طبيعتها ومن ثَمّ القوانين الحاكمة لها، وتشمل الملكية الفكرية على سبيل المثال: براءة الإختراع - براءة نموذج المنفعة - التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة - حقوق المؤلف - التصميمات والنماذج الصناعية.

براءة الإختراع - براءة نموذج المنفعة: وهي إحدى المساحات التي تكون ضمن مساحة الملكية الفكرية ويشترط بها الشرط الأساس في الإبداع وهو إستحداث شيء جديد (تقديم جديد لم يسبق له أحد) ويكون قابل للتطبيق الصناعي أو الإنتاجي وغير معروف عند أهل هذا المجال. من أهم سمات البراءات  أنها قابلة للقياس وللتطبيق الصناعي أو الإنتاجي، بها مراحل وخطوات تحتاج لإنفاق المال  طوال فترة البحث والتجارب للتأكد من صحة الإبتكار مما يجعلها مكلفة ويبعد الكثيرين عنها هذا فضلاً عن رسوم التسجيل السنوية والدولية. ولا تحقق قيم أو عائدات مالية  للمجتمع و فيها مخاطرة.

التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة: المقصود بها هى الدوائر الكهربائية والإلكترونية، تخضع للحماية حالة أنها تصميم جديد لا يعرفه أحد من أهل المجال (وهو الشرط الأول في الإبداع)، تشترط وجود عنصرًا نشطًا وتحقق وظيفة إلكترونية محددة. من أهم سماتها أنها صناعية - إنتاجية وقابلة للقياس بها مراحل وخطوات، تحتاج لإنفاق المال في شراء المكونات وإجراء الإختبارات والتسجيل المحلي والدولي .. ولا تحقق قيم أو عائدات مالية  للمجتمع، وفيها مخاطرة .

حقوق المؤلف: وهى تختص بالأعمال الأدبية والفنية والموسيقية (المصنفات). من سماتها أنها غير قابلة للقياس، غير صناعية، لا تحتاج لإنفاق المال الضخم ( إلا للقليل من الأموال التى يدفعها المبدع لتنفيذ العمل كطباعته أو غير ذلك) وليس بها مخاطرة، ولا تحقق أي عائدات مالية أو قيم للمجتمع بصورتها الحالية. فهى تتسم بصفات الإبداع الخالصة وتختلف عن باقي فضاء الإبداع بكونها تُحمى. وهنا ياتي سؤال: هل هناك إبداعات لا تُحمى ...؟ الإجابة نعم .. مثل ( الإبداع الرياضي - الإبداع التسويقي - طرق التصوير والرسم - القوانين - كل إبداع فكري غير مكتوب - كل إبداع غير قابل للتدوين )

التصميمات والنماذج الصناعية: تعتبر الرسومات والمجسمات لها ملكية في حالة أنها جديدة (الشرط الأساسي في الإبداع) وهى كحقوق المؤلف تتسم بصفات الإبداع الخالصة وتختلف عنها في كونها هشة وضعيفة الحماية ويسهل إختراقها، فهى يمكن أن تكون قابلة للقياس، يمكن أن تكون قابل للتطبيق،  يمكن أن تكون صناعية أو إنتاجية، يمكن أن يكون بها مراحل وخطوات، لا تحتاج للإنفاق المالي الكبير (إلا للقليل من الأموال التى يدفعها المبدع للعمل كرسمها على الكمبيوتر أو طباعتها على الورق )، ولا تحقق أي عائدات مالية أو قيم للمجتمع بصورتها الحالية، ليس فيها مخاطرة.

ما هو الابتكار؟

هو ببساطة إدخال كل هذه الإبداعات إلى السوق والذي يستلزم مراحل وعمليات وخطوات إنتاجية، وبالتالي المخاطرة بتمويل المنتج وتسويقه ومن ثَمّ توقع الربح وظهور الإحتياج الشديد للملكية الفكرية والتطوير والعمل البحثي للبقاء والإستمرار. على هذا الأساس فإن الإبتكار يتقاطع مع مساحات الملكية الفكرية في الإختراع ونموذج المنفعة - وفي الدوائر المتكاملة – وحقوق المؤلف - والنماذج الصناعية.

 ويمتد الإبتكار داخل فضاء الإبداع المجرد تاركًا فراغ الملكية الفكرية حيث يوجد العديد من الإبداعات التى تم تقديمها فى الأسواق فأصبحت إبتكارًا لكنها لا تسجل وليس لها حماية. ويجب التنوهيه أنه لا يوجد إبتكار بلا إبداع ولكن يوجد إبتكارات بلا حماية كما أنه لا توجد إبتكارات محمية دون أن تكون ضمن الأربع مساحات المذكورة. وعليه فإن حقوق المؤلف مثلًا حين تتحول لمنتج يخضع لمراحل الإنتاج والتسويق والبيع والشراء فهو إبتكار وله ملكية فكرية، فالكتاب حين يكتب ويسجل في حقوق المؤلف يصبح له ملكية أما إذا دخل في مراحل الإنتاج والبيع والشراء، فهو يتسم بجميع سمات الإبتكار وهي: تقديم شيء جديد (إبداع) - قابل للقياس الكمي (إنتاج ومبيعات) – ينفق المال - فيه ربح - فيه مخاطرة.

يمكننا تلخيص كل ما سبق في جدول التالي للمقارنة بين المفاهيم المختلفة

حيث يخضع الجميع تحت مظلة الإبداع والتي تليها مظلة المكلية الفكرية والتي تشمل مساحات من الإبتكارات وأخرى لا تشملها ويبقى مفهوم كل مصطلح من المصطلحات الأربعة مستقل بذاته وبقواعده الخاصة حتى يدخل مساحة السوق فتشملة مظلة الإبتكار. يسعدني مناقشة هذه المفاهيم معكم هنا في العليقات أو على صفحتي في هذا الرابط.

ارسل مقالك الآن أرسل ملاحظاتك